الخطية الأصلية
بقلم: تريزا مسعود حنا
مراجعة: القمص مرقس زكى
—————————
+ إن موضوع الخطية الأصلية وهل ورثنا خطية آدم نفسها أم ورثنا نتائجها فقط قد شرحه القديس بولس فى (رو 5: 12) فقال: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.”
+ وفى هذه الآية يؤكد الرسول أن خطية آدم كانت أصلاً ومنبعاً لخطايا الجنس البشرى وأن الموت هو نتيجة وقصاص على خطية آدم .. وأننا اشتركنا فى خطية آدم.
+ إلا أن هذه الآيه قد تعرضتْ للتفسير الخاطئ
لذلك علينا أن نرجع إلى الأصل اليونانى كما يلى:
1- الخطية كشخص:
إذ يقول الرسول “كأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ” أى بمعصية آدم دخلت الخطية إلى الجنس البشرى
* وفى قوله “دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ”
الـ : ή
خطية : άμαρτία
إلى : είς
الـ : τόν
عالم : κόσμον
دخلت : είσήλθεν
نجد أن الرسول هنا يشخصن الخطية فيتكلم عنها كشخص وليس كصفة بل ككيان له وجود وكلمة “شخص” تعنى شخص يفعل ويؤثر.
*وأيضًا فى قوله “إِذاً لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ ….” ( رو 6: 12)
لا : μή
إذاً : ουν
تملك : βασιλευέτω
الـ : ή
خطية : άμαρτία
وهكذا جعل الخطية شخصًا يدخل ويمتلك..
2- اجتاز الموت:
ففى قوله “وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ”
و : καί
بـ : διά
الـ : τής
خطية : άμαρτίας
الـ : ό
موت : θάνατος
و : καί
هكذا : οϋτως
إلى : είς
جميع : πάντας
الجنس البشرى : ανθρώπους
الـ : ό
موت : θάνατος
سرى – اجتاز : δι ήλθεν
+ وهنا يتكلم الرسول عن ميراث الخطية ويربط الموت بالخطية فالموت هو عقوبة تتبع الخطية.. الخطية هى الأصل والموت تابع لها كالظل الذى يتبع الإنسان .. فعندما خلق الله الإنسان لم يخلقه لكى يموت كما يرى بيلاجيوس .. إذاً الموت جاء نتيجة الخطية
+ وكلمه ” اجتاز” δι ήλθεν لا تعنى مجرد دخول الخطية ولكن عندما يضاف المقطع διά فى بداية الكلمة فإنها تعطى معنى التوزيع والانتشار بمعنى أن الخطية التى يتبعها الموت كظل لها قد توزعت وانتشرت وتغلغلت فى الجنس البشرى كله.
ملاحظة: كلمة διά عندما تضاف إلى كلمة يحذف حرف ά
+ وعبارة (اجتاز الموت) تعنى (اجتازت الخطية) لأن الأصل هى الخطية أما الموت فهو الظل .. فإذا قلنا دخل الموت إذاً لابد أن تكون دخلت الخطية أيضًا.. لأنه كيف يدخل الظل دون الأصل .. وكيف نتكلم عن الظل وطبيعة الظل لا تُفهَم إلا بارتباطه بالأصل.
+ فجوهر الخطأ عندهم هو الفصل بين الخطية والموت.
وهنا نقول لأصحاب هذا الفكر لو كان هناك سبب آخر للموت غير الخطية لأمكن فصلهما.
3- كلمات ثلاث لا يمكن الفصل بينهم (الخطية – الموت – خطية آدم).
+ إذا تسائلنا ما هى الخطية التى يتكلم عنها الرسول هنا.. بالطبع هى خطية آدم وليس أى خطية.. لأن خطية آدم هى التى سببت الموت فلم يُحَدِّثنا الكتاب عن أى خطية تُورَّث إلا خطية آدم بل على العكس فالكتاب لا يُحَمِّل الأبناء أخطاء الآباء
أما عن الآية:
“أفْتَقِدُ ذُنُوبَ الأبَاءِ فِي الأبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ” (خر 20: 5)
فمعناها أن المحيط كله أصبح ملآنًا بالخطية.. الآباء والأبناء، لكنه لم يذكر أن الأبناء ورثوا الخطية عن آبائهم. فالحالة الوحيدة التى فيها ترتبط الخطية بآخر هى خطية آدم.
+ والدليل على أن الخطية انتقلت إلى الجنس البشرى كله هو أن الموت انتقل إلى الجنس البشرى كله إلا إذا وجدنا شخصًا فى تاريخ الإنسانية لم يمت ولن يموت.
فيشير الرسول إلى الفترة قبل الناموس ليعطى دليلًا آخر بأن الموت مرتبط بالخطية فيقول:
“إِنَّهُ حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ.
لَكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى” (رو 5: 13-14) وهنا يتكلم عن خطايا البشر قبل الناموس وأنها لا تُحسب عليهم.
“لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ” (رو 7: 8)
لأنه حيث لا ناموس فلا عقوبة (لا موت)، ومع هذا فإن هؤلاء الناس قد ماتوا فكيف وجد هذا الموت الذى ماته الناس من آدم إلى موسى؟
فتكون الإجابة الوحيدة أنها خطية آدم التى يتبعها الموت.
ويقول فى ذلك القديس يوحنا ذهبى الفم:
“من الواضح أن الخطية هنا لم تأتِ بسبب مخالفته الناموس لكن بسبب عصيان آدم، وهذه الخطية هى التى حطَّمت كل شئ والدليل على ذلك أن الجميع ماتوا قبل الناموس”.
4- الخطية ذنب وقصاص..
* طالما أن الإنسان ورث خطية آدم، فمعناها أنه ورث كل صفاتها ومعانيها فهى تعنى ( ذنب – تعدى – تخطى)، والخاطئ الذى يتعدى ناموس الله يصير تحت القصاص وهذه السمات تصحب ميلاد الإنسان فيولد مذنبًا.
+ ولهذا يقول داود النبى : “زَاغَ الأَشْرَارُ مِنَ الرَّحِمِ. ضَلُّوا مِنَ الْبَطْنِ مُتَكَلِّمِينَ كَذِباً.” (مز 58: 3)
+ كذلك قال الرب بفم إشعياء النبى: “وَمِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِيًا.” (إش 8:48)
وهذه النصوص تشهد بأن الخطية بدأت فى جميع بنى آدم منذ أن كانوا فى البطن وفى أرحام أمهاتهم .. بل أنها منذ لحظة الحمل وعند تكوين الجنين .. ولذلك فإن الجنين يتكون بالإثم ويتصور بالخطية.
+ وكيف تصير الخطية لصيقة بالجنين منذ بدء تكوينه حتى أنه يصير معجونًا بها ما لم يكن الإثم موجودًا فى الدم الذى فيه يتكون الجنين .. ولذلك يقول النبى “هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي.” (مز 51: 5) ( المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس)
5-الذى فيه أخطأ الجميع ..
به : έφ
الذى : ώ
الجميع : πάντες
أخطأوا : ήμαρτον
وترجمة هذه العبارة:
+ تعنى ربط خطية البشر جميعهم بخطية آدم لأن خطية آدم لحقت نسل آدم كله كونه أبًا للجميع يحوى فى صلبه الجميع.. فالبشرية كلها كانت فى صلب آدم حين أخطأ.. فقد أخطأ آدم ولكن ليس كشخص بل كممثل ورأس للجنس البشرى كله وكمثال للمسيح -آدم الثانى- الذى قدّم ذاته أيضًا نيابة عن الجنس البشرى كله.
+ ونفس المنطق استخدمه الرسول فى الحديث عن علاقة لاوى بإبراهيم عندما قدّم إبراهيم عُشرًا من غنائمه لملكى صادق فيقول: “حَتَّى أَقُولُ كَلِمَةً: إِنَّ لاَوِي أَيْضًا الآخِذَ الأَعْشَارَ قَدْ عُشِّرَ بِإِبْرَاهِيمَ! لأَنَّهُ كَانَ بَعْدُ فِي صُلْبِ أَبِيهِ حِينَ اسْتَقْبَلَهُ مَلْكِي صَادِقَ.” (عب 7: 9-10).
+ أما الذين يأخذون بالترجمة “إذ أخطأ الجميع” فإنهم لا يربطون بين خطية الجميع وخطية آدم .. ويرون أن خطايا البشر تُرَد إليهم هم أنفسهم لأنهم ورثوا من آدم الطبيعة الفاسدة.
ولكن هذا الزعم لا يتفق إطلاقًا مع ما شرحه الرسول فى (رو 5: 12)
6- المدلول اللاهوتى لوراثة الخطية..
+ إذا اكتفينا بالقول بأننا ورثنا من آدم الطبيعة الفاسدة الفاقدة للنعمة فقط ولم نرث خطية آدم نفسها .. فكيف نفسر أن الله البار العادل يحاسب الإنسان على هذا الفساد الطبيعى ..!
فالرسول لم يُسَمِّ انتقال الخطية من آدم إلى ذريته “فسادًا” بل يسميه “خطية” فلم يقل دخل الفساد إلى العالم وأن الجميع فسدوا بل يقول دخلت الخطية إلى العالم وأن الجميع خطئوا.
+ كذلك القول بأننا لم نرث الخطية بل النتائج فقط يهدم عقيدة الفداء من جذورها لأنه فى هذه الحالة يكون الإنسان غير مذنب وبالتالى لا يستحق القصاص .. وبالتالى لا يحتاج إلى الفداء .. ويتحول فكر الصليب إلى رحمة فقط وليس عدلًا ورحمة.. وبذلك يُستبعد جانب العدالة عن موضوع الفداء تمامًا.
3٬089